وصح عنه عليه الصلاة والسلام أن رجلا قال له:"يا رسول الله:إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي: فقال عليه الصلاة والسلام:إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير"(3). ومعنى تسفهم المل أي تؤكلهم الرماد الحار.
كان أقارب الرسول عليه الصلاة والسلام إلا القليل من أشد الناس عداوة له، أخرجوه من داره ، طاردوه ، شردوه ، آذوه ، حاربوه، فلما نصره الله عليهم عفا عنهم عفوا ما سمع الناس بمثله.
صلة الرحم: تزيد في العمر وتبارك فيه وتزكيه ويكثر به الأجر وتتضاعف به المثوبة.
صلة الرحمن: عنوان على كمال الايمان وخشية الرحمن وامتثال القرآن.
صلة الرحم: تقي مصارع السوء وخزي الدنيا والآخرة وسوء المنقلب.
يروى في الأثر "إن الله أمرني أن أصل من قطعني وأن أعفو عمن ظلمني وأن أعطي من حرمني"
ومن أعظم الصلات وأرفع القربات بر الوالدين والحنو عليهما وإكرامهما والدعاء لهما وطاعتهما في طاعة الله عز وجل ( وقضى ربك الا تعبدوا إلا
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال ثم من : قال : أمك قال ثم من ؟قال : ثم من ؟ قال : أبوك"(1).
ابن عاق ظلم أباه واستهان به وجحد معروفه وأنكر جميله فبكى الأب وأنشد يقول :
غذوتك مولودا وعلتك يافعا تعلى بما أجري عليك وتنهل
إذا ليلة ضاقتك بالسقم لم ابت لسقمك إلا شاكيا أتململ
كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به من دوني فعيناي تهمل
فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أأمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل
لعل الصيام أعظم مدرسة للبر والصلة ، فهو معين الأخلاق ورافد الرحمة وحبل المودة ، من صام رقت روحه وصفت نفسه وجاشت مشاعره ولانت عريكته ، لعلنا أن نعود في هذا الشهر إلى اقاربنا فنتحفهم بالزيارة والبذل والأنس والدعاء والصلة . والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
اللهم فقهنا في الدين وثبتنا على سنة إمام المتقين واهدنا سواء السبيل
رمضان شهر الرحمة بالمسلمينالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد .
الرحمة فضل من الله يضعه في قلب من يشاء ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.
[7]
والله رحمن رحيم يحب الرحماء ويدعو إلى الرحمة ويأمر عباده أن يتواصوا بالصبر والمرحمة، وقد فقد الإنسان الرحمة لأسباب كثيرة منها : كثرة الذنوب والمعاصي فإنها ترين على القلب حتى يعمى ويصبح اشد قسوة من الحجارة ، قال تعالى عن بني إسرائيل( ثم قست قلوبهم.
وقال سبحانه عنهم لما أعرضوا وتمردوا على شرعه ()فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ)(النساء: من الآية155). ومما يذهب الرحمة الطغيان بالمال والتكبر بالغنى. قال سبحانه (كلا إن الإنسان ليطغى. ويوم يهذب القلب بالإيمان والعمل الصالح يمتلئ رحمة وحنانا.
ولعل من الأسباب في ضعف الرحمة كثرة الشبع، فانه يورث الأشر والبطر، ولذلك جاء شهر الصيام ليكسر هذا الجموح ويحطم هذا التفلت.
فالصائم من أرحم الناس لانه ذاق الجوع ووجد الظمأ وعاش المشقة ، فبدأت نفسه تتوق لرحمة المسلمين والحنان إليهم واللطف بهم.
إن الرحمة مطلوبة من كل مسلم لأخيه المسلم ، مطلوبة من المسئول الراعي أن يرحم رعيته ، وأن يشفق عليهم وأن يلين لهم . صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال :" اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به"(1)
[8] وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " من ولاه الله أمرا من امر أمتي فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم ، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة"(2)
والرحمة تطلب من العالم والأستاذ بطلابه فيرفق بهم ويتوخى بهم أيسر السبل وأحسن المسالك ليحبوه وينتفعوا بكلامه، فيجعل الله له أعظم الأجر وأجل المثوبة، واسمع لقوله سبحانه مادحا رسوله عليه الصلاة والسلام (فبما رحمة من الله.
والرحمة تطلب من الامام بالمأمومين فلا يشق عليهم ولا يدخل الضرر عليهم ، بل يكون رفيقا حكيما ، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " من أم منكم بالناس فليخفف فإن فيهم الكبير والمريض والصغير وذا الحاجة"(3).
أو كما قال عليه الصلاة والسلام وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما أطال معاذ بالناس قال له صلى الله عليه وسلم" أفتان أنت يا معاذ؟ أفتان أنت يا معاذ ؟ أفتان أنت يا معاذ"(4)
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لعثمان بن أبي العاص الثقفي لما قال : يا رسول الله .اجعلني إمام قومي ، قال :"أنت غمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا"(4).
والرحمة مطلوبة من الداعية المسلم بالمدعوين فينصح لهم بلطف ويبين لهم بشفقة فلا يفضح ولا يجرح ولا يشهر بالناس ولا يشنع بالعصاة على رؤوس الأشهاد قال عز وجل موصيا موسى وهارون عليهما السلام في دعوتهما لفروعون الطاغية (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً)(طـه: من الآية44). وقال سبحانه()ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ )(النحل: من الآية125).
يقول الشافعي :
تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة
فان النصح بين الناس نوع كم التوبيخ لا أرضى سماعه
فإن خالفتني وعصيت امري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
والرحمة مطلوبة من الوالد بأولاده ، وقد سبق هذا في درس " كيف نربي أطفالنا" ورحمة الوالد والأم بالأطفال له أعظم الأثر في إصلاحهم وفلاحهم وطاعتهم. فإن الصلف والغلظة باب شؤم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " ما كان الرفق في شئ إلا زانه، وما نزع الرفق من شئ إلا شانه"(1).
يا صائما جاع بطنه، إن آلاف البطون جوعى تنتظر لقمة فهل من مطعم؟
يا صائما ظمأت كبده إن آلاف الأكباد ظمأى تنتظر جرعة من ماء فهل من ساق؟
يا صائما يرتدي أجمل اللباس إن آلاف الناس في عري ينتظرون قطعة من قماش فهل من كاس؟
اللهم ارحمنا رحمة واسعة تغفر بها الذنب وتمحو بها الخطيئة وتعفو بها عن الزلل.
كيف نحي السنة في رمضان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد.
إمام الأمة وقدوة الناس هو محمد صلى الله عليه وسلم ، لا سعادة إلا في إتباعه ، ولا فلاح إلا في اقتفاء أثره قال تعالى " )الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ )(لأعراف: من الآية157).
الجنة لا تدخل بعد إرساله صلى الله عليه وسلم إلا من طريقه، سنته كسفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف هلك قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)(الأحزاب:21).
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال :" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمر فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"(2).
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:"من رغب عن سنتي فليس مني "(3)
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"(4).
ويقول عز وجل()وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)(الأحزاب:36).
ومنع الله التقدم بين يديه ويدي رسوله عليه الصلاة والسلام فقال.:( )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الحجرات:1)
وشهر رمضان هو موسم مبارك لإحياء السنة المطهرة في النفس والبيت والمجتمع .
أما سنن الصيام فمر شئ من ذلك في أول الكتاب عن هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان.
وأما السنن العامة التي تجب على الصائم المسلم أن يقوم بها في كل وقت فمنها :
ما صح عنه عليه الصلاة والسلام عند مسلم والخمسة أنه قال:" عشر من الفطرة:قص الشارب، وإعفاء اللحية ، واستنشاق الماء ، وقص الأظافر ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط، وحلق العانة ، وانتقاص الماء".
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن إسبال الإزار وما في حكمه، فقال كما عند مسلم :"لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء". وصح عنه أنه قال :"ما أسفل من الكعبين فهو في النار".(5).
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن أمور كثيرة منها :نهيه عليه الصلاة والسلام "أن يشرب الرجل قائما ". رواه مسلم وأبوداود والترمذي عن أنس.
ونهيه عليه الصلاة والسلام عن إقامة الرجل والجلوس في مقعده".رواه البخاري عن ابن عمر.
ونهيه عليه الصلاة والسلام "عن أن يمس الرجل ذكره بيمينه، وأن يمشي في نعل واحدة ، وأن يشتمل الصماء، وأن يحتبي في ثوب ليس في فرجه ثوب منه". رواه النسائي بسند صحيح عن جابر.
"ونهى عليه الصلاة والسلام أن ينفخ في الشراب". رواه الطبراني عن سهل بن سعد وهو صحيح.
"ونهى عن الأكل والشرب في إناء الذهب والفضة". رواه النسائي عن أنس وهو صحيح.
"ونهى عليه الصلاة والسلام عن التختم بالذهب". رواه الترمذي بسند صحيح.
"ونهى صلى الله عليه وسلم الرجال عن لبس الذهب والحرير، وأحله للنساء". رواه النسائي وأحمد بسند صحيح.
"ونهى عليه الصلاة والسلام عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب" متفق عليه.
"ونهى عليه الصلاة والسلام عن الصلاة إلى القبور". رواه ابن حبان عن أنس بسند صحيح.
"ونهى عليه الصلاة والسلام عن النوم قبل العشاء ، وعن الحديث بعدها". رواه الطبراني بسند صحيح.
"ونهى عن النياحة " رواه أبو داود وهو حديث صحيح.
"ونهى عن نتف الشيب" . رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة بسند صحيح.
"ونهى عن صيام يوم الجمعة أي إفراده بالصيام". متفق عليه عن جابر.
"ونهى عن بيع فضل الماء" . رواه مسلم وغيره.
"ونهى عن الوشم". رواه أحمد بسند صحيح.
"ونهى عن الوصال ". متفق عليه إلى غيرها من المناهي المعلومة في السنة الصحيحة .
ومن السنن الصحيحة الثابتة عنه عليه الصلاة والسلام سنة السواك فقد صح عنه أنه قال " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء".(1) وفي لفظ "عند كل صلاة". وصح عنه أنه قال :"السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب".(2)
ومن السنن تحية المسجد ركعتان قبل الجلوس وهذا عند البخاري وسلم والبدء بالرجل اليمنى عند دخول المسجد واليسرى عند الخروج . والبدء بلبس النعل باليمنى والخلع باليسرى، والاستئذان ثلاثا، فإن أذن وإلا فليرجع المستأذن وهذا ثابت بحديث صحيح ، وإنما أشرت إلى السنن العملية اليومية .
اللهم وفقنا لاتباع السنة والعمل بها والمحافظة عليها .