الراشي والمرتشي والرائش بينهما

روى ابو داود عن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلـــم ( لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم ) . وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (‎لعنة الله على الراشي والمرتشي ) وروى احمد عن ثوبان قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش بينهما ) بهذا الدليل يثبت تحريم الرشوة تحريما باتا لا شبهة فيه، والرشوة هي المال الذي يؤخذ من اجل قضاء مصلحة من مصالح الناس يجب قضاؤها من غير دفعه . وهي تشبه الاجرة الا ان الفرق بينها وبين الاجرة ان الاجرة تؤخذ مقابل القيام بعمل لا يجب القيام به،‎اما الرشوة فتؤخذ مقابل قضاء مصلحة بدون مقابل ممن تقضي المصلحة له، وقد تكون مقابل القيام بعمل يجب القيام به بدون مقابل ممن يقام بالعمل لاجله، وقد تكون مقابل عدم القيام بعمل يجب القيام به . ولا فرق في المصلحة بين ان تكون جلب منفعة او دفع مضرة،‎وسواء اكانت حقا ام باطلا،‎ويقال لدافع الرشوة الراشي، وللقابض لها المرتشي، وللوسيط بينهما الرائش .‎وتحريم الرشوة في الادلة جاء باتا غير معلل،‎فلا علة لتحريمها وانما هي حرام لثبوت الدليل بحرمتها،‎ولذلك لا يجوز ان يقال ان الرشوة حرام لانها طلب باطل او اضاعة حق، فان كانت كذلك فهي حرام، اما ان كانت لطلب حق او دفع ظلم فهي حلال، لا يقال ذلك لان هذا يعني ان النص الذي يثبت تحريم الرشوة عللها بهذه العلة وهو كذب على الشرع لان جميع النصوص التي جاءت في تحريم الرشوة لم تعلل تحريمها بعلة من العلل ولا يوجد فيها ولا في اي نص من النصوص ما يمكن ان تستنبط منه علة التحريم للرشوة، لذلك كان تعليلها لا يجوز وهو كذب على الشرع .‎وكذلك لا يجوز ان يقال ان قضاء الحق اذا اخذ من صاحبه رشوة جاز لانه اخذ مال للقيام بعمل حلال وهو قضاء الحق، لا يجوز ان يقال ذلك لان النصوص التي جاءت بتحريم الرشوة جاءت عامة فتبقى على عمومها تشمل جميع انواع الرشوة،‎فاستثناء نوع من انواعها وتخصيصه بالحل يحتاج الى نص اخر يخصص العام وهو لايوجد لذلك كان هذا الادعاء تخصيصا من غير مخصص وهو لا يجوز .‎وعلى ذلك فجميع انواع الرشوة حرام .
وليست الرشوة الحرام هي رشوة الحاكم او الموظف او الرئيس فقط بل كل رشوة حرام ولو كانت للزبال . فرشوة الشرطي لدفع الاذى كرشوة الحاكم حرام، ورشوة مدير الشركة ليشتغل بها او حتى لا يخرج منها كرشوة محصل الضرائب ومبلغ الدعاوى حرام، ورشوة رئيس العمال حتى يخفف عنه العمل كرشوة العامل عند التاجر لينتقي له بضاعة جيدة حرام، ورشوة عامل المطبعة في غفلة عن صاحب المطبعة ليتقن له العمل كرشوة عامل الكهرباء مقابل ان يعجل له بالعمل حرام، اذ كلها رشوة وكلها حرام،‎لانها مال يؤخذ مقابل قضاء مصلحة يجب قضاؤها دون مقابل ممن يقام بقضاء المصلحة لاجله . وكذلك يكون رشوة ما يدفعه بعضهم لمن له وجاهة عند حاكم او موظف او من لديه مصلحته ليستعمل لديه نفوذه في قضاء مصلحته .
فهذا المال لا يأخذه من يقضي المصلحة وانما يأخذه ذو الوجاهة، وهو رشوة لانه اعطي مقابل قضاء مصلحة يجب قضاؤها بدون دفع هذا المال،‎ولا يشترط في تحقق كون المال رشوة ان يأخذه من باشر هذا المال مقابل قضاء المصلحة سواء اخذه الشخص الذي قضى المصلحة او صديقه او قريبه او رئيسه او من له مكانة عنده . اذ العبرة في كون المال رشوة ان يؤخذ مقابل قضاء مصلحة يجب قضاؤها دون مقابل ممن تقضى له، ومثل الرشوة في الحرمة الهدية حتى عدها بعضهم من الرشوة لانها تشبهها من حيث كونها مالا يؤخذ من اجل قضاء مصلحة يجب قضاؤها دون مقابل ممن تقضى له . والفرق بين الرشوة وبين الهدية ان الرشوة يعطى فيها المال مقابل قضاء المصلحة، اما الهدية فان المال يهدى فيها من صاحب المصلحة لا مقابل قضاء المصلحة بل لان الذي يهدى اليه يتولى فعلا قضاء المصالح بنفسه او بواسطتها فتهدى له الهدية طمعا في قضاء مصلحة معينة او طمعا في قضاء المصالح حين حصولها،‎ولذلك ورد النهي عن قبول الحكام والولاة هدايا . فقد روى البخارى عن ابي حميد الساعدي قال : استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من بني اسد يقال له ابن الاتيبية على صدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا اهدى الي فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لك وهذا لي فهلا جلس في بيت ابيه وامه فينظر ايهدى له ام لا، والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء الا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ) .
ومثل تحريم الهدية على الحاكم تحريمها على كل من بين يديه مصالح الناس ان تهدى له من اصحاب المصالح،‎الا ان الهدية من شخص اعتاد ان يهدى الشخص لا من اجل قضاء مصالح فتجوز للحاكم وغيره، فنحذر المسلمين من الرشوة ومن هدايا الحكام والموظفين ومن بيدهم قضاء المصالح فانها حرام والرسول لعن اخذها
الكاتب :_ حافظ صالح
ناقله لكم نسر الشرق