نسر الشرق مشـرف الشعر والخواطر
• عـدد النقـاط • : 156 • عدد المشاركات • : 116 • نقاط التقـييم • : 10 • نقـاط الابداع • : 5 • اللقب الخاص • : عضو بمنتديات SoLo العمر : 37 الجنس : الدولة : الوظيفة : المــزاج :
| موضوع: غزوة بدر الكبرى الثلاثاء أبريل 15, 2008 1:19 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدي محمد بن عبد الله صفوة الخلق وخاتم المرسلين، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الميامين، وعلى كل من سار على طريقته واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد، ما زالت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زادنا الذي نتقوى به على واقعنا السيء، وهدى الله الذي لن نفلح ما لم نلتزم به، والعظة ذات العبر التي لا ننفك نتعظ بها في عملنا لإقامة دولة الإسلام. ومن يدرس السيرة ويطالع فيها، يجدها كالتاج الثمين المليء بالدرر النادرة القيمة، ولو أراد أن يصف هذا التاج لما استطاع أن يوفيه حقه، فكل درة فيه تحتاج منه إلى شرح وتفصيل كي يظهر جمالها، ويكشف عن قيمتها. ولقد اخترت من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، درة من دررها، وهي غزوة بدر الكبرى، فصغت أحداثها بأسلوب روائي، معتمداً على كتب السيرة والحديث والتاريخ مما صحت روايته. وها أنذا أضعها بين أيديكم، راجياً ممن يقرأها أن يتكرم علي وعلينا جميعاً بما يلي: نظرت في أحداث غزوة بدر، وأردت أن أستلخص العبر فوجدتها كثيرة، وظننت في نفسي أني لن أستطيع أن أستلخص منها إلا النزر اليسير، فقد يفوتني منها درر كثيرة، فولدت في ذهني فكرة أراها مفيدة وهي: أن يعلق كل واحد منا على حدث في هذه الغزوة أو أحداث، بالأسلوب الذي يراه، وبالطريقة التي يحبها، فيكتب كل منا تعليقه، وما اتعظ به من هذه الغزوة العظيمة. فلنتشارك جميعاً في استخلاص العبر من هذه الأحداث، وليكتب كل واحد منا ما رأته عيناه وصوره له قلبه في حدث أو قول أو موقف في هذه الغزوة العظيمة. وأنا واثق من أن مشاركاتكم ستظهر لنا في غزوة بدر من العظات والعبر ما ينفعنا ويزكي أنفسنا، ويزيدنا قرباً إلى الله تعالى، وحباً برسوله صلى الله عليه وسلم. فإلى المشاركة أدعوكم إخوتي وأخواتي الكرام، ولكم من الله جزيل الثواب إن شاء الله ولكم مني عظيم الامتنان.
غزوة بدر الكبرى
في مكةَ المكرمةِ قبل غزوةِ بدرٍ الكبرى وقبيل قدومِ النذيرِ العريانِ ضَمْضم بن عمرو الغِفاري مكةَ بثلاثِ ليالٍ، رأت عاتكةُ بنتُ عبد المطلبِ رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب وقالت له: يا أخي، والله لقد رأيتُ رؤيا أفظعتني، وتخوفتُ أن يدخلَ على قومكَ منها شرّ ومصيبةٌ، فاكتم عني ما أحدثُك به، فقال لها العباسُ: وما رأيتِ؟ قالتْ: رأيتُ راكباً أقبلَ على بعيرٍ له حتى وقف بالأبطح [وادي بمكة] ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يا لَغُدُر [اللام للاستغاثة وتعني إذا تخلفتم فأنتم غدر لقومكم] لمصارعكم في ثلاث، فأرى النّاس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينما هم حوله مثل به [قام به] بعيره على ظهر الكعبة، ثم صرخ بمثلها: ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس [جبل سمي برجل هلك فيه من جرهم اسمه قبيس بن شالخ] فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضّت [تفتتت] فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلاّ دخلتها منها فِلقة. فقال العباس: والله إنّ هذه لرؤيا، وأنت فاكتميها ولا تذكريها لأحد. ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان له صديقاً فذكر الرؤيا له واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث بمكة، حتى تحدثت بها قريش في أنديتها. وغدا العباس يطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قُعود يتحدثون برؤيا عاتكة، فلما رأى أبو جهل العباس قال له: يا أبا الفضل، إذا فرغتَ من طوافك فأقبل علينا، فلما فرغ العباس أقبل وجلس معهم فقال له أبو جهل: يا بني عبد المطلب، متى حدثت فيكم هذه النبيّة؟ فقال العباس: وما ذاك؟ فقال أبو جهل: تلك الرؤيا التي رأتها عاتكة، يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم، قد زعمتْ عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث، فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يكن حقاً ما تقول فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب. وجاءت نساء بني عبد المطلب للعباس وقلن له: أأقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غِيَرٌ [غيرة] لشيء مما سمعتَ. فقال لهنَّ العباس: قد والله فعلتُ، ما كان مني إليه كبير، وايم الله لأتعرضن له فإنّ عاد لأكفينّكُنّه. وفي اليوم الثالث من رؤيا عاتكة ذهب العباس للمسجد فرأى أبا جهل فمشي نحوه وهو يتمنى أن يعود أبو جهل لمقالته تلك ليرد عليه رداً يستحقه ولكن أبا جهل كان قد خرج نحو باب المسجد بسرعة فقال العباس في نفسه: ماله لعنه الله، أكلّ هذا خوف مني، ولم يدر العباس أن أبا جهل قد انشغل عنه بما هو أهم، فقد سمع أبو جهل صوت ضمضم الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي محققاً رؤيا عاتكة، فقد وقف النذير العريان على بعيره وقد قطع أنفه وحوّل رحله وشق قميصه وذلك ليلفت نظر النّاس ويجمعهم حوله وهو يقول صارخاً: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوثَ الغوثَ. وقصة ذلك أنه لما سمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلاً من الشام، قال لأصحابه: هذه عِيرُ قريش فيها أموالهم، فاخرُجوا إليها، لعلّ الله أن يُنَفِّلكموها، فانتدب النّاس فَخفّ بعضهم وثقل بعضهم؛ وذلك أنهم لم يظنُّوا أنّ رسولَ صلى الله عليه وسلم يلقى حَرباً، وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسَّس الأخبار، ويسأل مَنْ لقيَ من الرُّكبان تخوُّفاً على أموال النّاس؛ حتى أصاب خبراً من بعض الركبان؛ أنّ محمداً قد استنفَر أصحابه لك ولِعيرك. فحذِر عند ذلك، فاستأجر ضَمْضَم بن عمرو الغِفاريّ، فبعثه إلى مكّة، وأمره أن يأتيَ قريشاً يستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أنّ محمداً قد عَرَض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة. وفي مكة تجهز النّاس سراعاً وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعِير ابن الحضرمي [هي العير التي غنمها المسلمون في سرية عبد الله بن جحش] ، كلا والله ليعلمَنّ غير ذلك، فكانوا بين رجلين، إما خارجٍ وإما باعثٍ مكانه رجلاً، وأوعبت [خرجوا كلهم للغزو] قريشٌ فلم يتخلف من أشرافها أحدٌ، إلاّ أن أبا لهب تخلف وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة وكان قد مسك عليه أربعة آلاف درهم فاستأجره بها على أن يجزئ عنه. وكان أبو سُفْيان بن حَرْب قد أقبل من الشام في قريب من سبعين راكباً من قبائل قريش كلّها، كانوا تجاراً بالشام، فأقبلوا جميعاً معهم أموالُهم وتجارتهم، فذُكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ وقد كانت الحرب بينهم قبل ذلك، فقُتلت قتلى، وقُتِل ابن الخضرميّ في ناس بنَخْلَة، وأسِرِتْ أسارَى من قريش؛ فيهم بعضُ بني المغيرة، وفيهم ابن كَيْسان مولاهم، أصابهم عبد الله بن جَحْش وواقد حليف بني عديّ بن كعب، في ناسٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم مع عبد الله بن جحش، وتلك الوقعة هاجت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، وأول ما أصاب به بعضهم بعضاً من الحرب، وذلك قبلَ مخرج أبي سفيان إلى الشام. ثمّ إنّ أبا سفيان أقبل بعد ذلك ومَن معه من ركْبان قريش مقبِلين من الشام، فسلَكوا طريق الساحل، فلمّا سمع بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نَدَبَ أصحابه وحدّثهم بما معهم من الأموال، وبقلَّة عَدَدَهِم، فخرجوا لا يريدون إلاّ أبا سفيان والركْبَ معه؛ لا يروْنها إلاّ غنيمة لهم؛ ولا يظنّون أن يكون كبيرُ قتال إذا لقُوهم، وهي التي أنزل الله عزّ وجلّ فيها: ((وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ)) . فلما سمعَ أبو سفيان أنّ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم معترضون له، بعث إلى قريش: إنّ محمداً وأصحابه معترضون لكم، فأجِيُروا تجارَتكم. فلمّا أتى قريشاً الخبرُ - وفي عِيرِ أبي سفيان؛ من بُطون كعب بن لُؤيّ كلّها - نَفَر لها أهلُ مكة؛ ولم يَسمع بنَفْرة قريش رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه؛ حتى قدِم النبيّ صلى الله عليه وسلم بدْراً - وكان طريق ركبان قريش؛ مَنْ أخذ منهم طريق الساحل إلى الشام - فخفض أبو سفيان عن بدْر، ولزِم طريقَ الساحل، وخاف الرّصد على بدْر، وسار النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتى نزل قريباً من بدر. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، وجعل على الساقة قيس بن أبي صَعْصَعَةَ أخا بني مازن بن النجّار، في ليالٍ مضتْ من شهر رمضان؛ فسار حتى إذا كان قريباً من الصفراء، بعث بسَبْسَ بن عمرو الجهنيّ، حليف بني ساعدة وعدِيّ بن أبي الزّغْباء الجُهَنيّ حليف بني النجّار إلى بَدْر، يتحسّسان له الأخبار عن أبي سفيان بن حرب وعِيره. ثمّ ارتحل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد قدّمهما؛ فلما استقبَلَ الصفْراء - وهي قرية بين جبلين - سأل عن جبليْهما: ما أسماؤهما؟ فقالوا لأحدهما: هذا مُسْلِح؛ وقالوا للآخر: هذا مُخرِئ؛ وسأل عن أهلِهما، فقالوا: بنو النار وبنو حُراق ( بطنان من بني غِفَار) ، فكره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المرورَ بينهما، وتركهما والصَّفْراء بيَسار، وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذَفِران؛ فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل. وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمْنَعوا عِيرهم، فاستشار النبيّ صلى الله عليه وسلم الناسَ، وأخبرهم عن قُريش، فقامَ أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن، ثم قام عمر رضي الله عنه فقال فأحسن وكان مما قاله: يا رسول الله إنها والله قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبداً، ولتقاتلنك، فأْتَهب لذلك أُهْبَته، وأعد لذلك عدته، ثم قام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، امض لأمر الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: ((اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون)) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغِماد [وهو موضع بأقصى اليمن] لسرنا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم قال: أشيروا علي أيها النّاس، وإنما يريد الأنصار، فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول الله تريدنا، قال: أجل، فقال سعد: إنك عسى أن تكون قد خرجت عن أمر قد أوحي إليك، فإنّا قد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق، فأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامضِ يا نبي الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل واحد، وصِل من شئت واقطع من شئت وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت، والذي نفسي بيده ما سلكتُ هذا الطريق قطّ ومالي بها من علم، وما نكره أن نلقى عدونا، إنا لصُبرٌ عند الحرب صدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عيناك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرا وقال: (سيروا على بركة الله فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم) . وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد، فإني أحثكم على ما حثكم الله عليه، وأنهاكم عما نهاكم عنه، فإنّ الله عظيم شأنه، يأمر بالحق ويحب الصدق، ويعطي على الخير أهله، على منازلهم عنده، به يُذكرون وبه يتفاضلون، وإنكم قد أصبحتم بمنزل الحق لا يقبل الله فيه من أحد إلاّ ما ابتغى به وجهَه، وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به الهم، وينجي به من الغم، وتدركون النجاة في الآخرة، فيكم نبي الله يحذركم ويأمركم فاستحيوا اليوم أن يطلع الله عز وجل على شيء من أمركم يمقتكم عليه، فإن الله يقول ((لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم)) انظروا الذي أمركم من كتابه وأراكم من آياته، وأعزكم به بعد ذلة، فاستمسكوا به يرضى به ربكم عنكم، وأبلوا ربكم في هذه المواطن أمرا تستوجبوا الذي وعدكم به من رحمته ومغفرته، فإن وعده حق وقوله صدق وعقابه شديد، وإنما أنا وأنتم بالله الحي القيوم، إليه ألجأنا ظهورنا، وبه اعتصمنا وعليه توكلنا واليه المصير، يغفر الله لي وللمسلمين) .
ثمّ ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذَفِران، فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر، ثمّ انحطّ منها على بلد يقال لها الدَّبَّة، وترك الحَنّان بيمين - وهو كثيب عظيم كالجبل - ثمّ نزل قريباً من بَدْر، فركب هو ورجلٌ من أصحابه حتى وقف على شَيْخ من العرب؛ فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه، وما بلغه عنهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممّن أنتما! فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أخبرتَنا أخبرناك) ؛ فقال: وذاك بذاك! قال: نعم، فقال الشيخ: فإِنَّه بلغني أنّ محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صَدَقَني الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم - وبلغني أنّ قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا؛ فإن كان الذي حدّثني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به قريش - فلما فرغ من خبره، قال: ممّن أنتما؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (نحن من ماء) ؛ ثمّ انصرف عنه. فقال الشيخ: (ما من ماءٍ) ، أمِنْ ماءِ العِرَاق! فلمّا أمسى المسلمون بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، في نَفَرٍ من أصحابه إلى ماء بَدْر يلتمسون له الخبر عليه، فأصابوا راويةً لقريش فيها أسْلَم غلام بني الحجّاج، وَعَرِض أبو يَسَار، غلام بني العاص بن سعيد؛ فأتوْا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلّي؛ فسألوهما، فقالا: نحن سقاة قريش؛ بعثونا لنسقيَهم من الماء، فكره القوم خبَرهما، ورَجَوْا أن يكونا لأبي سفيان؛ فضربوهما، فلما أذْلَقوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما، وركع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وسجد سجدتين، ثمّ سلّم، فقال: إذَا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما! صَدَقَا والله! إنّهما لقريش، أخبِراني: أين قريش؟ قالا: هم وراءَ هذا الكثيب الذي ترى بالعُدْوَة القُصْوَى - والكثيب: العَقَنْقَل - فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لهما: كم القوم؟ قالا: كثيرٌ، قال: ما عِدَّتهم؟ قالا: لا ندري، قال: كم ينحرون كلّ يوم؟ قالا: يوماً تسعاً ويوماً عشراً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القوم ما بين التسعمائة والألف. ثمّ قال لهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ فيهم من أشراف قريش؟ قال: عُتْبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختَريّ بن هشام، وحكيم بن حِزَام، ونوْفل بن خُوَيلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطُعَيْمَة بن عَدِيّ بن نوفل، والنضْر بن الحارث بن كَلَدَة، وَزَمْعَةَ بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمَيَّة بن خَلَف، ونُبَيه ومُنبّه ابنا الحجاج، وسُهَيْل بن عمرو، وعمرو بن عبد ودّ. فأقبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على النّاس، فقال: هذه مكّة قد ألْقَتْ إليكم أفْلاَذَ كبدِها. وقد كان بَسْبَس بن عمرو وَعَديُّ بن أبي الزَّغْباء مَضَيا حتى نزلا بدراً، فأناخا إلى تَلّ قريب من الماء، ثمّ أخذا شنّاً يستقيان فيه - ومجديّ بن عمرو الجهنيّ على الماء - فسمع عديّ وبسبس جاريتيْن من جواري الحاضر؛ وهما تتلازمان على الماء؛ والملزومة تقول لصاحبتها: إنَّما تأتي العيرُ غداً أو بعد غد، فأعمل لهم ثمّ أقْضِيكِ الذي لك. فقال مَجْدِيّ: صدقت، ثمّ خلّص بينهما؛ وسمع ذلك عديّ وَبَسْبَس، فجلسا على بعيرَيْهما، ثمّ انطلقا حتى أتيا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبراه بما سمِعَا. | |
|
نسر الشرق مشـرف الشعر والخواطر
• عـدد النقـاط • : 156 • عدد المشاركات • : 116 • نقاط التقـييم • : 10 • نقـاط الابداع • : 5 • اللقب الخاص • : عضو بمنتديات SoLo العمر : 37 الجنس : الدولة : الوظيفة : المــزاج :
| موضوع: رد: غزوة بدر الكبرى الثلاثاء أبريل 15, 2008 1:20 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الثانى من غوزه بدر الكبرى ثمّ أقبل أبو سفيان قد تقدّم العيرَ حَذِراً حتى ورد الماء، فقال لمجديّ بن عمرو: هل أحْسَسْتَ أحداً؟ قال: ما رأيتُ أحداً أنْكرُه؛ إلاّ أني رأيتُ راكبين أناخا إلى هذا التلّ، ثمّ استقيا في شَنٍّ لهما؛ ثمّ انطلقا. فأتى أبو سفيان مناخهما، فأخذ من أبعار بعيرَيْهما ففَتَّه؛ فإذا فيه نَوىً. فقال: هذه والله علائف يثْرب! فرجع إلى أصحابه سريعاً، فضرب وجه عِيره عن الطريق، فساحَلَ بها [أي سار ناحية الساحل] ، وترك بدراً يساراً، ثمّ انطلق حتى أسرع. وأقبلت قريش، فلما نزلوا الجُحْفة رأى جُهَيمُ بن الصَّلْت بن مَخْرَمَة بن المطّلب بن عبد مناف رؤيا؛ فقال: إنّي رأيتُ فيما يرى النائم، وإنّي لبينَ النائم واليقظان، إذْ نظرتُ إلى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعيرٌ له، ثمّ قال: قُتِلَ عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف، وفُلاَن وفلان؛ فعَدّدَ رجالاً ممن قتل يومئذ من أشراف قريش؛ ورأيته ضرب في لَبَّة بعيره، ثمّ أرسله في المعسكر، فما بقي خِبَاء من أخْبِيةِ العسكر إلاّ أصابه نَضْحٌ [أي رشة من دم] من دمه. فبلغتْ مقالته أبا جهل، فقال: وهذا أيضاً نبيٌّ آخر من بني المطّلب؛ سَيَعلَم غداً مَن المقتول إن نحن التقينا! ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عِيرَه، أرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عِيركم ورجالكم وأموالكم؛ فقد نجّاها الله، فارجعوا. فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نَرِدَ بَدْراً - وكانت بدرٌ مَوْسماً من مواسم العرب، تجتمع لهم بها سُوقٌ كلَّ عام - فنقيم عليه ثلاثاً، ونَنحَرُ الجُزُرَ، ونُطْعِمُ الطعام، ونسقي الخُمور، وتَعْزِف علينا القيَان، وتسمع بنا العرب؛ فلا يزالون يهابوننا أبداً؛ فامضوا. فقال الأخْنَسُ بن شَرِيق بن عمرو بن وهب الثقفيّ - وكان حليفاً لبني زُهْرَةَ وهم بالجُحْفَة: يا بني زُهرة؛ قد نجّى الله لكم أموالَكم، وخلّص لكم صاحبَكم مَخْرَمَة بن نوفل؛ وإنّما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي جُبْنَها وارجعوا، فإنه لا حاجةَ بكم في أن تخرجوا في غير ضَيْعَة؛ لا ما يقول هذا - يعني أبا جهل - فرجعوا؛ فلم يَشْهدْها زهريٌّ واحدٌ؛ وكان فيهم مطاعاً. ولم يكن بقي من قريش بطن إلاّ نَفَر منهم ناس، إلاّ بني عديّ بن كعب، لم يخرج منهم رجلٌ واحدٌ، فرجعت بنو زُهرة مع الأخنس بن شَرِيق، فلم يشهد بدراً من هاتَيْن القبيلتَيْن أحدٌ. ومضى القوم. ورُوى كذلك أنه جاءهم راكب من أبي سفيان والركب الذين معه: أن ارْجعوا، فقالوا: والله لا نرجع حتى ننزل بدراً، فنقيم به ثلاثَ ليال، ويرانا مَنْ غشَينا من أهل الحجاز؛ فإنه لن يرانا أحد من العرب وما جْمعنا فيقاتلنا. وهم الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم: ((الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً ورِئَاءَ النَّاسِ)) ؛ فالتقوا هُمْ والنبيّ صلى الله عليه وسلم، ففتح الله على رسوله، وأخزى أئمة الكُفْر وشفى صدورَ المسلمين منهم. ومضت قريش حتى نزلوا بالعُدْوَة القُصْوَى من الوادي؛ خَلف العَقَنْقَل، وبطن الوادي وهو يَلْيَل، بين بدر وبين العَقَنْقَل؛ الكثيب الذي خلفه قريش، والقُلُب ببدر في العُدْوة الدنيا من بطن يَلْيَل إلى المدينة، وبعث الله السماء، وكان الوادي دَهْساً [المكان السهل ليس برمل] ، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لَبَّدَ [أي جعل الأرض متماسكة] لهم الأرض؛ ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشاً منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه؛ فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُبَادِروهم إلى الماء؛ حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به. ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك المنزل أتاه الحُبَاب بن المُنْذر بن الجموح فقال: يا رسولَ الله، أرأيت هذا المنزل، أمَنزِلٌ أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدّمه ولا نتأخّره، أم هو الرّأي والحرب والمكيدة؟ قال: بَلْ هو الرأي والحرب والمكيدة؛ فقال: يا رسولَ الله، فإنّ هذا ليس لك بمنزِل، فانهَضْ بالناس حتى نأتيَ أدنى ماء من القوم فننزلَه، ثمّ نغوِّر ما سواه من القُلُب، ثمّ نبني عليه حَوْضاً فنملؤه ماء، ثمّ نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرتَ بالرأي. فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه من النّاس، فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم؛ فنزل عليه. ثمّ أمر بالقُلب فَغُوِّرَتْ، وبنى حوضاً على القلِيب الذي نزل عليه فمُلئ ماء، ثمّ قذفوا فيه الآنية. كانت عدة المسلمين في بدر ثلاثمائة وخمسة عشر رجلا من المهاجرين والأنصار وكان معهم فارسان فقط وسبعون بعيراً يعتقب الرجلان والثلاثة والأربعة على البعير الواحد بينما كانت عدة الكفار تسعمائة وخمسين رجلا أكثرهم من قريش ومعهم مائتا فارس وعدد كبير من الإبل لركوبهم وحمل أمتعتهم، ومن عظيم ما يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي كانوا يعتقبون بعيراً فلما جاء دور الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليمشي قالا له اركب ونحن نمشي فقال لهما صلى الله عليه وسلم: (ما أنتما بأقوى مني وما أنا بأغنى عن الأجر منكما) . وكان سعد بن معاذ قد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه، ونُعدُّ عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله، ما نحن بأشدّ لك حباً منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك، فأثنى عليه رسول الله خيرا ودعا له بخير. ثمّ بُني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشٌ، فكان فيه؛ وقد ارتحلت قريش حين أصبحت، فأقبلتْ، فلمّا رآها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تصوّب من العَقَنْقَل - وهو الكثيب الذي منه جاؤوا إلى الوادي قال: (اللهم إنك أنزلت علي الكتاب وأمرتني بالقتال ووعدتني إحدى الطائفتين وأنت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحُادُّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحِنْهم الغداة) - أي أهلكهم! وقد كان خُفاف بن إيماء بن رَحَضَةَ الغِفاريّ - أو أبوه إيماء بن رَحَضَة - بعث إلى قريش حين مَرّوا به ابناً له بجزائر أهداها لهم، وقال: إن أحببتم أن أمِدّكم بسلاح ورجال فَعَلنا؛ فأرسلوا إليه مع ابنه: أنْ وصلتْك الرّحم! فقد قضيت الذي عليك؛ فلَعَمري لئن كنّا إنما نقاتل النّاس؛ ما بنا ضعفٌ عنهم؛ ولئن كنا نقاتل الله - كما يزعم محمد - فما لأحد بالله من طاقة. ويقول الإمام علي رضي الله عنه: ثمّ إنه أصابنا من الليل طَشٌّ من المطر، فانطلقنا تحت الشجر والحَجَف نستظلُّ تحتها من المطر، وبات رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربّه: اللّهمّ إنْ تهِلك هذه العِصابة لا تُعبَد في الأرض. فلمّا أنْ طلع الفجر نادى: الصلاة يا عبد الله! فجاء النّاس من تحت الشجر والحَجف، فصلى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وحَرَّض على القتال، ثمّ قال: إِنّ جَمْع قريش عند هذه الضِّلْعة من الجبل. فلما أن دنا القوم منّا وصافَفْناهم؛ إذا رجلٌ من القوم على جَمَل أحمر يسير في القوم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: يا عليّ، نادِ لي حمزة - وكان أقربهم إلى المشركين -: مَنْ صاحبُ الجمل الأحمر؟ وماذا يقول لهم؟ وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إن يكن في القوم مَنْ يأمر بالخير؛ فعسى أن يكون صاحبَ الجمل الأحمر، فجاء حمزة، فقال: هو عتْبة بن ربيعة؛ وهو ينهى عن القتال، ويقول لهم: إِنّي أرى قوماً مُسْتَميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير؛ يا قوم اعصِبوُها اليومَ برأسي، وقولوا: جَبُنَ عُتْبة بن ربيعة؛ ولقد علمتم أنّي لستُ بأجبنِكم. فسمِعَ أبو جهل مقالته فقال: أنت تقول هذا! والله لو غيرك يقول هذا لعضضتُه! لقد ملئت رِئتُك وجوفك رُعباً، فقال عتبة: إيّايَ تُعَيّر يا مصَفِّر استِه! ستَعلم اليومَ أيّنا أجْبَن! ولما اطمأن المشركون، بعثوا عُمَير بن وهب الجُمَحِيّ، فقالوا: احزُرْ لنا أصحاب محمد، فاستجال بفرسه حول المعسكر، ثمّ رجع إليهم، فقال: ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلاً أو ينقصون؛ ولكن أمْهلوني حتى أنظر؛ أللقوم كمين أم مَدَد؟ فضرب في الوادي؛ حتى أبْعد فلم ير شيئاً، فرجع إليهم، فقال: ما رأيت شيئاً، ولكني قد رأيت - يا معشرَ قريش – البَلاَيا [جمع بلية ، وهي الناقة أو الدابة التي تربط على قبر الميت فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت ، وكان بعض العرب ممن يقر بالبعث يقولون أن صاحبها يحشر عليها] تحمل المنايا، نواضح [النواضح الإبل التي يستقى عليها الماء] يثرب تحمل الموت الناقع [الثابت البالغ في الإفناء] ؛ قوم ليس لهم مَنَعة ولا مَلْجأ إلاّ سيوفُهم؛ والله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتلَ رجلاً منكم؛ فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خيرُ العيش بعد ذلك، فَرَوْا رَأيكم. فلمّا سمع حَكِيم بن حزام ذلك، مشى في النّاس، فأتى عتبةَ بن ربيعة، فقال: يا أبا الوليد؛ إنك كبيرُ قريش الليلة وسيّدُها، والمطاع فيها؛ هل لك إلى أن لا تزال تذكر منها بخير إلى آخر الدهر! قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس، وتحمل دمَ حليفك عمرو بن الحضرميّ، فقال عتبة: قد فعلت، أنتَ عليّ بذلك؛ إنَّما هو حليفي فعليّ عَقْلة، وما أصيب من ماله؛ فأت ابنَ الحَنْظَلية [الحنظلية هي أم أبي جهل واسمها أسماء بنت المخربة من تميم] ؛ فإنّي لا أخشى أن يشجُر أمر النّاس غيرُه - يعني أبا جهل بن هشام. ثمّ قام عُتْبة بن ربيعة خطيباً، فقال: يا معشرَ قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تَلْقوا محمداً وأصحابه شيئاً؛ والله لئن أصبتُموه لا يزال رجلٌ ينظر في وَجْهِ رجل يكره النَّظر إليه، قتل ابن عمّه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته، فارجعوا وخلُّوا بين محمّد وبين سائر العرب؛ فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرَّضوا منه ما تريدون. قال حكيم: فانطلقتُ أؤمُّ أبا جهل، فوجدته قد نَثَلَ [أخرج] دِرْعاً له من جرابها، فهو يُهنئها [يطليها بالزيت] . فقلت: يا أبا الحكم، إنّ عُتْبة قد أرسلني إليك بكذا وكذا - للذي قال - فقال أبو جهل: انتفخ والله سَحْرُه [أي رئته، وهي كناية عن الجبن] حين رأى محمداً وأصحابه؛ كلاّ والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمّد وأصحابه، وما بعتْبة ما قال؛ ولكنه قد رأى محمداً وأصحابه أكَلَةَ جزور؛ وفيهم ابنه فقد تخوّفكم عليه. ثمّ بعث إلى عامر بن الحضرميّ فقال له: هذا حَلِيفُك، يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرَك بعينِك، فقم فانشُد خُفْرتك ومقتَلَ أخيك. فقام عامر بن الحضرميّ فاكتشف ثمّ صرخ: واعمراه واعمراه فحميَت الحربُ، وحَقِبَ أمر النّاس؛ واستوسقوا [جتمعوا] على ما هم عليه من الشرّ، وأفسِد على النّاس الرأي الذي دعاهم إليه عُتْبة بن ربيعة. فلما بلغ عُتبَة بن ربيعة قولُ أبي جهل: انتفخ سَحْره، قال: سيعلم المُصَفِّرُ إسْتَهُ من انتفخ سَحْره، أنا أم هو ثمّ التمس بَيْضَة يُدْخِلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تَسَعُه من عِظم هامته، فلما رأى ذلك اعتَجَر على رأسه ببُرْد له. | |
|
نسر الشرق مشـرف الشعر والخواطر
• عـدد النقـاط • : 156 • عدد المشاركات • : 116 • نقاط التقـييم • : 10 • نقـاط الابداع • : 5 • اللقب الخاص • : عضو بمنتديات SoLo العمر : 37 الجنس : الدولة : الوظيفة : المــزاج :
| موضوع: رد: غزوة بدر الكبرى الثلاثاء أبريل 15, 2008 1:20 am | |
| الجزء الثالث من غزوة بدر الكبرى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدَّل صفوف أصحابه، وفي يده قِدْحٌ [سهم أو عود] يعدّلُ به القوم، فمرّ بسَوَاد بن غَزِيّة، حليف بني عديّ النجار، وهو مُسْتِنتل [خارج عن الصف] من الصفّ، فطعَنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقِدْح وقال: اسْتَو يا سوادَ بن عزيَّة؛ فقال سواد: يا رسولَ الله أوجعَتَني وقد بعثك الله بالحقّ، فأقِدْني. فكشف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه ثمّ قال: استقِدْ، فاعتنقَه سواد وقبَّل بطنه، فقال صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا يا سَوَاد؟ فقال: يا رسولَ الله، حضَرَ ما ترى فلم آمن القتْل. فأردتُ أن يكونَ آخرَ العهد بك أن يمسّ جلدي جلدَكَ. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيراً. ثمّ عدّل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصّفوفَ، روجع إلى العريش، ودخلَه، ومعه فيه أبو بكر ليس معه فيه غيره، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربّه ما وعده من النّصر، ويقول فيما يقول: اللهمّ إنك إن تَهْلِكْ هذه العِصابة اليوم - يعني المسلمين - لا تُعبَد بعد اليوم، وأبو بكر يقول: يا نبيّ الله، بعضَ مناشدتِك ربّك! فإن الله عزّ وجلّ منجزٌ لك ما وعدك. وعن عكرمة بن عَمَّار، قال حدّثني سماك الحنفيّ، قال: سمعتُ ابنَ عباس يقول: حدّثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم بدْر، نظر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وعِدّتهم، ونظر إلى أصحابه نيّفاً على ثلاثمائة، فاستقبل القبلة فجعل يدعو، يقول: اللهمّ أنجزْ لي ما وعدتني، اللهمّ إن تَهْلِك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبَد في الأرض؛ فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه، فأخذ أبو بكر فوضع رداءه عليه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال: كفاك يا نبيّ الله، بأبي أنت وأمي، مناشدتك ربّك؛ فإنه سينجز لك وعدك! فأنزل الله تبارك وتعالى: ((إذْ تَسْتَغِثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي ممِدُّكُمْ بأَلْفٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ)) . وقد خَفَق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خفقةً وهو في العريش، ثمّ انتبه، فقال: يا أبا بكر، أتاك نصرُ الله، هذا جبريل آخذ بِعنان فرسه يقوده، على ثناياه النَّقع. قال: وقد رُمِيَ مولى عمر بن الخطاب بسهم فقُتل؛ فكان أوّلَ قتيل من المسلمين، ثمّ رُمِيَ حارثة بن سُراقة، أحد بني عديّ بن النجار وهو يشرب من الحوْض فقتِل. ثمّ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النّاس فحرَّضهم، ونفّل كلّ امرئ منهم ما أصاب، ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في العريش في بدر وأصحابه على صفوفهم اضطجع فغشيه نوم غلبه، وكان صلى الله عليه وسلم قد قال: لا تقاتلوا حتى أوذنكم، وإن كثبوكم - أي دنوا منكم - فارموهم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، قد دنا القوم وقد نالوا منا، فاستيقظ الرسول صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول: اللهم إن تظهر على هذه العصابة يظهر الشرك ولا يقم لك دين، وأبو بكر يقول: والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك. فلمّا نزل النّاس، أقبل نفر من قريش؛ حتى وردوا حوضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم حَكِيم بن حِزام، على فرس له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم؛ فما شرب منهم رجل إلاّ قُتل يومئذ؛ إلاّ ما كان من حَكِيم بن حزام، فإنَّه لم يُقتل؛ نجا على فرس له يقال له الوجيه، وأسلم بعد ذلك، فحسن إسلامه؛ فكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نجَّاني يوم بدر! وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزوميّ - وكان رجلاً شرِساً سيء الخُلُق - فقال: أعاهد الله لأشْرَبنّ من حَوْضِهم ولأهْدِمنّه أو لأمُوتنّ دونه. فلما خرج للحوض خرج له حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، فلمّا التقيا ضربه حمزة، فقطع قدمه بنصف ساقه؛ وهو دُونَ الحوض، فوقع على ظهره تَشْخُبُ رجله دماً نحو أصحابه، ثمّ حَبَا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن يُبِرَّ يمينَه، واتبعه حمزة حتى قتله في الحوض. ثمّ خرج بعده عُتْبة بن ربيعة بين أخيه شَيْبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عُتْبة؛ حتى إذا فصلوا من الصفّ دَعَوا إلى المبارزة، فخرج إليهم فتْية من الأنصار ثلاثة نفر منهم: عوف ومُعَوِّد ابنا الحارث - وأمهما عفراء - وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، فقال المشركون: مَنْ أنتم؟ فقالوا: رهط من الأنصار. فقالوا: ما لنا بكم حاجة! ثمّ نادى مناديهم: يا محمد، أخْرِجْ إلينا أكفاءَنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حمزة بن عبد المطلب، قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا عليّ بن أبي طالب؛ فلما قاموا ودَنَوْا منهم، قالوا: مَنْ أنتم؟ قال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال عليّ: عليّ، قالوا: نعم أكفاءٌ كِرَام! فبارز عُبيدة بن الحارث - وكان أسنّ القوم - عُتْبة بن ربيعة، وبارز حمزة شَيْبَةَ بن ربيعة، وبارز عليٌّ الوليد بن عتبة؛ فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما عليٌّ فلم يمهل الوليد أن قتله؛ واختلف عُبيدة وعتبة بينهما بضربتيْن، وكلاهما ضرب صاحبه فجرحه فقد ضرب عبيدة بن الحارث رضي الله عنه عتبة بن ربيعة ضربة أرخت عاتقه الأيسر فدنا عتبة من عبيدة فضرب رجله بالسيف فقطع ساقه فرجع حمزة وعليّ على عتبة فأجهزا عليه وحملا عبيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وقد قطعت رجله ومخها يسيل، فأدخلاه على النبي صلى الله عليه وسلم فأضجعه رسول الله ووسده رجله وجعل يمسح الغبار عن وجهه فقال عبيدة: أما والله يا رسول الله لو رآني أبو طالب لعلم أنى أحق بقوله منه حين يقول: ونُسْلِمُهُ حتى نُصَرَّعَ حَوْلَه وَنَذْهَلَ عن أبنائِنا والحَلاَئِلِ وكان أبو طالب قد قال هذا البيت في مدح رسول الله وفي الدفاع عنه. ثم قال عبيدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألستُ شهيداً؟ فقال رسول الله: بلى، وأنا الشاهد عليك، ثم مات فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفراء وهو واد بين المدينة وبدر ونزل الرسول في قبره وما نزل في قبر أحد غيره يومئذ. وعن موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لمّا أن كان يومُ بدر وحضر البأس اتّقينا برسول الله، فكان من أشدّ النّاس باساً، وما كان منّا أحدٌ أقربَ إلى العدوّ منه. وقال رضي الله عنه: ما كان فينا فارسٌ يوم بدر غير المِقْداد بن الأسود؛ ولقد رأيتُنا وما فينا إلاّ نائمٌ، إلاّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائماً إلى شجرة يصلّي، ويدعو حتى الصبح. ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النّاس يحرضهم على القتال قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنَّة، فقال عمير بن الحُمام وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلاّ أن يقتلني هؤلاء، ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل وهو يقول: رَكْضاً إلَى الله بغيرِ زادِ إلاّ التُّقَى وَعَمَل المَعَادِ وَالصَّبْر في اللهِ على الجهادِ وكلُّ زَادٍ عُرْضَةُ النَّفَادِ غَيْرُ التُّقَى والبرّ والرَّشَادِ كما أن عوف بن الحارث رضي الله عنه قال: يا رسول الله، ما يُضحك الرب من عبده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غمسه يده في العدو حاسراً، فنزع عوف درعاً كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل. وقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في التضحية وكان أروع ما في بدر هو تلك العقيدة العظيمة التي صنعت من هؤلاء النفر عباداً خالصين لله تعالى لم يتأثروا بقتال أهلهم وذويهم فقد قتل أبو عبيدة عامر بن الجراح أباه، وقال عبد الرحمن بن أبي بكر لأبيه الصدّيق رضي الله عنه: لقد تمكنت منك في بدر بمقتل فصصدت عنك فرد عليه الصديق رضي الله عنه ولكني لو كنت رأيتك لقتلتك، كما روى ابن هشام أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص: إني أراك كأن في نفسك شيئاً، أراك تظن أنى قتلتُ أباك، إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة، أما أبوك فإني مررت به وهو يبحث بحث الثور بقرنه فحِدت عنه وقصد له ابن عمه عليّ فقتله. ولما التحم القتال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه يسأل الله النصر وما وعده ويقول شاهت الوجوه، اللهم أرعب قلوبهم وزلزل أقدامهم، فانهزم أعداء الله لا يلوون على شيء، وألقوا دروعهم والمسلمون يقتلون ويأسرون وما بقي منهم أحد إلاّ وما يدري أين يتوجه وذلك قوله تعالى { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميتَ إذ رميتَ ولكنَّ اللهَ رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً إن الله سميع عليم. وعن مقتل أمية بن خلف يقول عبد الرحمن بن عوف: لما كان يوم بدر مررت بأمية بن خلف وهو واقف مع ابنه علي بن أمية، ومعي أدراع قد استلبتها فأنا أحملها، فلما رآني قال لي: يا عبد عمرو، فلم أجبه، فقال: يا عبد الإله، فقلت: نعم، فقال: هل لك فيّ، فأنا خير لك من هذه الادراع التي معك، فقلت: نعم، ها الله ذا، فطرحت الأدراع من يدي وأخذت بيده ويد ابنه وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن - يقصد أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن - ثمّ قال لي أميّة بن خلف وأنا بينه وبين ابنه، آخذٌ بأيديهما: يا عبدَ الإِله، مَن الرجل منكم، المعْلِم بريشة نعامة في صدره؟ قال: قلت: ذاك حمزة بن عبد المطّلب، قال: ذاك الذي فَعل بنا الأفاعيل! قال عبد الرحمن: فوالله إِنّي لأقودهما إذْ رآه بلال معي -وكان هو الذي يعذّب بلالاً بمكّة على أن يترك الإسلام فيخرجُه إلى رَمْضاء مكة إذا حمَيتْ، فيضجِعه على ظهره، ثمّ يأمر بالصخرة العظيمة فتوضَع على صدره، ثمّ يقول: لا تزالُ هكذا حتى تفارقَ دين محمد، فيقول بلال: أحدٌ أحَدٌ - فقال بلال حين رآه: رأس الكفر أميّة بن خَلَف، لا نجوتُ إن نَجَوْتَ فقلت: أيْ بلال، أسيَريّ! فقال: لا نجوتُ إن نجوا. فقلت: أتسمع يا بن السوداء! فقال: لا نجوتُ إن نَجَوَا، ثمّ صرخ بأعلى صوته: يا أنصارَ الله، رأس الكفر أميّة بن خَلَف، لا نجوتُ إن نجا! فأحاطوا بنا، ثمّ جعلونا في مثل المُسْكَة [أي جعلونا في حلقة كالسوار وأحدقوا بنا] وأنا أذُبُّ عنه؛ قال: فضرب رجل ابنه فوقع. ثمّ صاح أميّة صيحة ما سمعت بمثلها قطّ. فقلتُ: انجُ بنفسك، ولا نَجَاءَ؛ فوالله ما أغنِي عنك شيئاً. فهبُروهما [أي قطعوهما] بأسيافهم حتى فرغوا منهما. والذي حصل أنهم أقبلوا بعد أن سمعوا بلالاً فاجتمعوا على أمية حتى طُرح أمية على ظهره فقطع الحباب بن المنذر أرنبة أنفه وضربه خبيب بن يساف حتى قتله وقتل عمار بن ياسر علي بن أمية بن خلف وكان عبد الرحمن بن عوف يقول: رحم الله بلالاً! ذهبت أدراعي وفجعني بأسيريَّ. وقتل علي رضي الله عنه عبد الله بن المنذر وحرملة بن عمرو وهو يظنهما أبا جهل عليه لعنة الله وكان أبو جهل في مثل الحرجة وهي الشجر الملتف والمشركون يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه فصمد معاذ بن الجموح إلى أبي جهل وأبو جهل يرتجز: ما تنقم الحرب العَوان مني بازلُ عامين حديثٌ سني لمثل هذا ولدتني أمي [الحرب العوان: التي قوتل فيها لأكثر من مرة. البازل من الإبل: الذي خرج نابه ، وهو في ذلك السن تكمل قوته] فضربه معاذ فطرح رجله من الساق فأقبل عكرمة بن أبي جهل فضرب معاذاً على عاتقه فطرح يده فتعلقت بجلدة من جنبه فظل يقاتل ويده يسحبها خلفه، فلما آذته وضع عليها قدمه وسحبها حتى قطعها وتخلص منها، وضرب أبا جهل مع معاذ معوذ وعوف ابنا عفراء، ولما وضعت الحرب أوزارها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يلتمسوا أبا جهل في القتلى وقال لهم: انظروا إن خفي عليكم في القتلى، إلى أثر جرح في ركبته، فإني ازدحمت يوماً أنا وهو على مأدبة لعبدالله بن جدعان ونحن غلامان، وكنت أشف منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه، فجُحش [خدش] في إحداهما جَحْشاً لم يزل أثره به. فالتمسه عبد الله بن مسعود في القتلى فوجده بآخر رمق، فوضع رجله على عنقه ثم قال له: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ فرد أبو جهل: أعار على رجل قتلتموه؟ أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ فقال ابن مسعود: لله ورسوله، فقال أبو جهل: لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا رويعي الغنم، فضربه عبد الله فقطع رأسه وجاء بها إلى رسول الله وقال له: يا رسول الله هذه رأس عدو الله أبي جهل، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اللهم قد أنجزت ما وعدتني فتمم علي نعمتك، ووقف رسول الله على عوف ومعوذ ابنا عفراء وقد قتلا فقال: يرحم الله ابني عفراء فإنهما قد شركا في قتل فرعون هذه الأمّة ورأس أئمة الكفر. وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: قال لي أبو جهل: لقد ارتقيتَ يا رُوَيْعيَ الغنم مرتقىً صعباً! ثمّ احتززتُ رأسه؛ ثمّ جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسولَ الله، هذا رأس عدوّ الله أبي جهل، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: آللهِ الذي لا إله غيره! - وكانت يمينَ رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: نعم؛ والله الذي لا إله غيره، ثمّ ألقيت رأسه بين يديْ رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله. | |
|
نسر الشرق مشـرف الشعر والخواطر
• عـدد النقـاط • : 156 • عدد المشاركات • : 116 • نقاط التقـييم • : 10 • نقـاط الابداع • : 5 • اللقب الخاص • : عضو بمنتديات SoLo العمر : 37 الجنس : الدولة : الوظيفة : المــزاج :
| موضوع: رد: غزوة بدر الكبرى الثلاثاء أبريل 15, 2008 1:21 am | |
| الجزء الرابع من غزوة بدر الكبرى وقال محمد بن إسحاق: وحدّثني بعضُ أهل العلم، أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم قال هذه المقالة، قال: يا أهلَ القَلِيب، بئس عشيرة النبيّ كنتم لنبيّكم! كذّبتوني وصدّقني النّاس، وأخرجتموني وآواني النّاس، وقاتلتموني ونصرني النّاس. ثمّ قال: هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً؟ فإني قد وجدتُ ما وعدني ربِّي حقّاً! فقال المسلمون: يا رسولَ الله؛ أتنادي قوماً قد جَيَّفوا! فقال: ما أنتم بأسمَع لما أقول منهم؛ ولكنَّهم لا يستطيعون أن يجيبوني. ولما أمر بهم رسولً الله صلى الله عليه وسلم أن يُلْقَوْا في القَلِيب، أخذ عتبة بن ربيعة فسحِب إلى القَلِيب، فنظر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في وجه أبي حُذيفة بن عتبة؛ فإذا هو كئيب قد تغيّر، فقال: يا أبا حذيفة؛ لعلَّك دخلك مِنْ شأن أبيك شيء! - أو كما قال صلى الله عليه وسلم - فقال: لا والله يا نبيّ الله، ما شككتُ في أبي ولا في مصرعه؛ ولكنِّي كنتُ أعرِف من أبي رأياً وحِلْماً وفضلاً؛ فكنت أرجو أن يهديَه ذلك إلى الإسلام؛ فلما رأيتُ ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنتُ أرجو له، حزَنَني ذلك، فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم له بخير، وقال له خيراً. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لأصحابه في بداية المعركة: إِنّي قد عرفت أنّ رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرِجُوا كرْهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمَنْ لقِيَ منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومَنْ لقِي أبا البختريّ بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومَنْ لقِيَ العبّاس بن عبد المطلب عمّ رسول الله فلا يقتله؛ فإنه إنما أخرِج مستكرَهاً. فقال أبو حُذيفة بن عُتْبة بن ربيعة: أنقتلُ آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتَنا، ونترك العبّاس! والله لئن لقيتُه لألْحِمنّه السيف. فبلغتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص، أما تسمع إلى ما يقول أبيِ حُذَيفة، يقول: أضرب وجه عمّ رسول الله بالسيف! فقال عمر: يا رسولَ الله، دعْنِي فلأضربنّ عنقَه بالسيف؛ فوالله لقد نَافَقَ. وقال عمر: والله إنه لأوَّلُ يوم كنّاني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص. فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمِنٍ من تلك الكلمة التي قلتُ يومئذ، ولا أزال منها خائفاً إلاّ أن تكَفّرها عني الشهادة. فقُتِل يوم اليمامة شهيداً. أما البختريّ فقد كان أكفَّ القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكّة، كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه؛ وكان ممـّن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطّلب، وقد لقَيَه في بدر المُجَذَّرُ بن زياد البَلويّ، حليف الأنصار من بني عديّ، فقال المجذَّر بن زياد لأبي البختريّ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتلك - ومع أبي البختريّ زميلٌ له خرج معه من مكة، وهو جُنادة بن مُلَيْحة بنت زُهَيْر بن الحارث بن أسد، وجُنادة رجل من بني لَيْث. واسم أبي البختريّ العاص بن هشام بن الحارث بن أسد - قال: وزميلي؟ فقال: المجذّر: لا والله ما نحن بتاركي زميلَك؛ ما أمرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلاّ بك وحدَك، قال: لا والله إذاً، لأمُوتَنّ أنا وهو جميعاً؛ لا تحدّث عنّي نساء قريش من أهل مكة أَنِّي تركتُ زميلي حِرْصاً على الحياة. وقال أبو البختريّ حين نازله المجذّر، وأبى إلاّ القتال، وهو يرتجز: لَنْ يُسْلمَ ابنُ حُرَّةٍ أَكِيلَهْ حَتَّى يموتَ أوْ يرى سَبيلَهْ فاقتتلا، فقتله المجذّر بن زياد. ثمّ أتى المجذّر بن زياد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والّذِي بعثَك بالحقّ، لقد جهِدتُ عليه أن يستأسِرَ فآتيَك به؛ فأبى إلاّ القتال، فقاتلته فقتلتُه. وجاء رجل من الأنصار قصير بالعبّاس بن عبد المطلب أسيراً، فقال: يا رسولَ الله؛ والله ما هذا أسَرني، ولكن أسَرَني رجل أجْلَح من أحسن النّاس وجهاً، على فرس أبْلق، وما أراه في القوم، فقال الأنصاريّ، أنا أسرته، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لقد آزرك الله بملَكٍ كريم. وقال عليّ: فأسِر من بني عبد المطّلب العباس وعَقِيل ونوفل بن الحارث. وعن ابن عبّاس قال: كان الذي أسر العبَّاس أبو اليَسَر كعب بن عمرو أخو بني سلمة، وكان أبو اليَسَر رجلاً مجموعاً، وكان العبَّاس رجلاً جسيماً، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليَسر: كيف أسرت العباس يا أبا اليَسَر؟ فقال: يا رسولَ الله؛ لقد أعنني عليه رجلٌ ما رأيته قبلَ ذلك ولا بعده؛ هيئة كذا وكذا، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لقد أعانك عليه مَلَك كريم. وعن ابن عباس أيضاً، قال حدّثني رجلّ من بني غِفار، قال: أقبلتُ أنا وابنُ عمّ لي حتى أصعدنا في جبل يُشْرف بنا على بدْر، ونحن مشرِكان، ننتظر الوقْعة على مَنْ تكون الدَّبْرَة، فَننتهب مع من ينتهب. قال: فبينما نحن في الجبل؛ إذ دنت منّا سحابة، فسمعنا فيها حَمْحَمة الخيل، فسمعت قائلاً يقول: أقدِمْ حَيْزُوم. قال: فأمَّا ابن عمّي فانكشف قِناعُ قلبه فمات مكانه؛ وأمّا أنا فكدتُ أهلِك، ثمّ تماسكت. وعن أبي داود المازنّي - وكان شهد بدراً - قال: إني لأتْبَعُ رجلاً من المشركين يوم بدر لأضرِبه، إذْ وقع رأسه قبل أن يصلَ إليه سيفي، فعرفت أن قد قتله غيري. وعن عبد الله بن عباس، قال: كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيضاً قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمراً، ولم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر. وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عُدَداً ومدَداً لا يضربون. وعن محمد بن إسحاق، قال: حدّثني نُبَيْه بن وهب، أخو بني عبد الدَّار، أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارَى فرّقهم في أصحابه، وقال: استوصُوا بالأسارى خيراً - قال: وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم، أخو مصعب بن عمير لأبي وأمّه في الأسارى - قال: فقال أبو عزيز: مَرّ بي أخي مصعب بن عمير، ورجل من الأنصار يأسِرني، فقال: شُدَّ يديك به؛ فإن أمه ذاتُ متاع، لعلَّها أن تفتديَه منك. قال: وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدْر؛ فكانوا إذا قدّموا غَدَاءهم وعشاءهم خصُّوني بالخبز، وأكلوا التمر لوصيَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة من الخبز إلاّ نَفَحني بها. قال: فأستحي، فأردها على أحدهم فيردّها عليّ ما يَمسُّها. وعن عمر بن الخطاب أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ الله انتزع ثنيّتَيْ سُهَيْل بن عمرو. السّفْليَيْن يَدْلَعْ لسانه، فلا يقوم عليك خَطيباً في موطنٍ أبداً، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا أمثِّلُ به فيمثِّل الله بي، وإن كنت نبيّاً. وعن ابن عباس، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال للعبّاس بن عبد المطلب حين انتهى به إلى المدينة: يا عبَّاس، افدِ نفسَك وابنيْ أخيك عَقِيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث، وحليفك عُتْبة بن عمرو بن جَحْدم، أخا بني الحارث بن فهر؛ فإنك ذو مال؛ فقال: يا رسولَ الله؛ إِنّي كنتُ مسْلماً؛ ولكنّ القوم استكرهوني، فقال: الله أعلم بإسلامك؛ إن يكن ما تذكر حقّاً فالله يجزِيك به، فأمَّا ظاهرُ أمرك فقد كان علينا، فافْدِ نفسَك - وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ منه عشرين أوقيِّة من ذهب - فقال العبَّاس: يا رسولَ الله، احسبها لي في فدائي، قال: لا؛ ذاك شيء أعطاناه الله عزّ وجلّ منك، قال: فإِنَّه ليس لي مال. قال: فأين المال الذي وضعَتَه بمكة حيث خرجتَ من عند أم الفضل بنت الحارث، ليس معكما أحد. ثمّ قلتَ لها: إن أصِبتُ في سفري هذا فللفضل كذا وكذا، ولعبد الله كذا وكذا، ولِقُثَم كذا وكذا، ولعبيد الهه كذا وكذا! . قال: والَّذِي بعثَك بالحقّ ما علِمَ هذا أحد غيري وغيرها؛ وإني لأعلم أنك رسول الله، ففدَى نفسَه وابني أخيه وحليفَه. وكان في الأسارى أبو العاص بن الربيع بن عبد العُزّى بن عبد شمس، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج زَيْنَب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو العاص من رجال مكَّة المعدودين مالاً وأمانة وتجارةً، وكان لهالَةَ بنت خُوَيْلِدِ وكانت خديجة خالته، فسألت خديجة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يزوّجه؛ وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يخالفها؛ وذلك قبل أن ينزَل عليه؛ فكانت تعدّه بمنزلة ولدها، فلما أكرمَ الله عزّ وجلّ رسولَه بنُبُوّته آمنت به خديجة وبناته، فصدَّقنهُ وشَهِدْنَ أنّ ما جاء به هو الحقُّ؛ ودِنّ بدينه؛ وثبتَ أبو العاص على شِرْكه. وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد زوَّج عتبة بن أبي لهب إحدى ابنتيْه رُقيَّة أو أم كُلْثوم؛ فلما بادى قريشاً بأمر الله عزّ وجلّ وباعدوه، قالوا: إنكم قد فرّغتم محمداً من همه؛ فردوا عليه بناته، فأشغَلُوه بهنّ، فمشوا إلى أبي العاص بن الربيع، فقالوا له: فارقْ صاحبتَك؛ ونحن نزّوجك أيّ امرأة شئت من قريش، قال: لا ها اللهِ إذاً؛ لا أفارق صاحبتي وما أحبّ أنّ لي بامرأتي امرأة من قريش؛ وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يثنِي عليه في صهْره خيراً. ثمّ مشوْا إلى الفاسق ابن الفاسق، عُتبة بن أبي لهب، فقالوا له: طلِّق ابنةَ محمد ونحن نزّوجك أيّ امرأة من قريش شئت؛ فقال: إن زوّجتموني ابنَة أبان بن سعد بن العاص، أو ابنة سعيد بن العاص فارقتُها. فزوّجوه ابنة سعيد بن العاص وفارقها، ولم يكن عدوّ الله دخل بها، فأخرجها الله من يده كرامة لها، وهواناً له؛ فخلفَ عليها عثمان بن عفَّان بعده، وكان الإسلام قد فرّق بين زينب بنت رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حين أسلمت وبين أبي العاص بن الربيع؛ إلاّ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر على أن يفرّق بينهما؛ فأقامت معه على إسلامها وهو على شِرْكه؛ حتى هاجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ فلمَّا سارت قريش إلى بدْر سار فيهم أبو العاص بن الربيع؛ فأصيب في الأسارى يوم بدر، وكان بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عائشة زوْج النبيّ صلى الله عليه وسلم، قالت: لما بعث أهل مكة في فِداء اُسَرَائهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتْها بها على أبي العاص حين بَنَى عليها. فلمَّا رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القلادة رقّ لها رِقَّةً شديدةً، وقال: إن رأيتم أن تُطْلِقوا لها أسيرَها وتَرُدّوا عليها الذي لها فافعلوا! فقالوا: نعم يا رسول الله، فاطلَقُوه ورَدُّوا عليها الذي لها. ثمّ ارتحل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالرَّوْحاء، لقيَهُ المسلمون يُهنّئونه بما فَتَح الله عليه ومَنْ معه من المسلمين، فقال سلمة بن سلامة بن وقْش - كما حدّثنا ابن حميد، فقال: حدّثنا سَلَمة قال: قال محمد ابن إسحاق، كما حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة، ويزيد بن رومان: وما الذي تُهَنّئون به! فوالله إن لقينا إلاّ عجائز صُلعاً كالبُدْنِ المعَقّلَة، فنحرناها. فتبسَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا بنَ أخي، أولئك الملأ. قال: ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسارى من المشركين وكانوا أربعة وأربعين أسيراً، وكان من القتلى مثل ذلك - وفي الأسارَى عُقْبة بن أبي مُعَيط، والنَّضْر بن الحارث بن كَلَدَة - حتى إذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالصّفْراء، قتِل النَّضْر بن الحارث، قتَله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال محمد بن إسحاق: كما حدّثني بعضُ أهل العلْم من أهل مكة؛ قال: ثمّ خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى إذا كان بعرْق الظّبْية، قتل عُقْبة بن أبي مُعَيط، فقال حين أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقتل: فمنْ للصبية يا محمد! قال: النار، قال: فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريّ، ثمّ أحد بني عمرو بن عوف. أما في مكة فيروي أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا هذه الرواية: عن عكْرمة مولى ابن عبَّاس، قال: قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت غلاماً للعبَّاس بن عبد المطَّلب، وكان الإسلام قد دخلنَا أهل البيت، وأسلمتْ أم الفضل وأسلمتُ، وكان العبَّاس يهاب قومه، ويكره أن يخالفَهم، وكان يكتم اسلامَه، وكان ذا مال كثير متفرّق في قومه، وكان أبو لهب عدوّ الله قد تخلَّف عن بدر، وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة وكذلك صنعوا، لم يتخلَّف رجل إلاّ بعثَ مكانه رجلاً، فلمّا جاء الخبر عن مُصاب أصحاب بدر من قريش، كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوّة وعزّاً. وكنت رجلاً ضعيفاً، وكنت أعمل القِداح، أنحتُها في حِجْرة زمزم، فوالله إني جالس فيها أنحت القِداح، وعندي أمّ الفضلْ جالسة، وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبلَ الفاسق أبو لهب يجرّ رجليْه بشرّ، حتى جلس على طُنُب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري؛ فبينما هو جالس إذا قال النّاس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطَّلب قد قدِم. فقال أبو لهب: هلمّ إليّ يا بنَ أخِي؛ فعندك الخبر. فجلس إليه، والناس قيام عليه، فقال: يا ابن أخي، أخْبِرني؛ كيف كان أمر النّاس؟ قال: لا شيء؛ والله إن كان إلاّ أن لقِيناهم، فمنحناهم أكتافنا، يقتُلوننا ويأسرون كيف شاؤوا؛ وايمُ الله مع ذلك ما لُمْتُ النّاس؛ لقِينا رجالاً بِيضاً على خيل بُلْقٍ بين السماء والأرض؛ ما تليق شيئاً ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طُنُب الحجْرة بيدي، ثمّ قلت: تلك الملائكة. قال: فرفع أبو لهب يدَه فضرب وجهي ضربة شديدة، قال: فثاورتُه، فاحتملني، فضرب بي الأرضَ ثمّ بَرَك عليّ يضربني -وكنت رجلاً ضعيفاً - فقامت أمّ الفضلْ إلى عَمُد الحجرة، فأخذته فضربته به ضربة فشجّت في رأسه شجَّة منكرة، وقالت: تستضعفه أنْ غاب عنه سيّده! فقام مولِّياً ذليلاً، فوالله ما عاش إلاّ سبع ليال حتى رماه الله عزّ وجلّ بالعَدَسَة [بثرة تخرج بالبدن فتقتل] فقتله، فلقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثاً ما يدفنانه حتى أنتن في بيته - وكانت قريش تتّقي العَدَسة وعَدْوَتَها كما يتّقي النّاس الطاعون - حتى قال لهما رجل من قريش: ويحكما! ألا تستحيان أنّ أباكما قد أنتن في بيته لا تغيِّبانه! فقالا: إنا نخشى هذه الَرْائحة، قال: فانطلِقا فأنا معكما، فما غسلوه إلاّ قذْفاً بالماء عليه من بعيد، ما يمسُّونه، ثمّ احتملوه فدفنوه بأعلى مكّة إلى جدار، وقذفوا عليه الحجارة حتى واروْه. انتهى بحمد الله تعالى وفضله وتوفيقه كاتب الموضوع (أبو الحارث التميمي) | |
|